الخميس، 26 أبريل 2012

سلطنة عمان و التخطيط الاقتصادي


 واقع التخطيط في سلطنة عُمان
اعتمدت سلطنة عُمان التخطيط الاستراتيجي منذ عام 1970 حيث وضعت أول خطة استراتيجية طويلة الأجل 1995-1970 تمحورت حول رؤية جلالة السلطان قابوس منذ توليه الحكم والتي تنص على "بناء مجتمع حديث له فكره وله أصالته وله نظرته الاقتصادية القائمة على أساس تنويع المصادر والموارد وبناء القدرات البشرية التي توفر للاقتصاد القوة والمتانة وتنتج لمختلف فروعه النمو الصحي والتكامل الطبيعي والتفاعل الحيوي من أجل تنمية شاملة تواكب العصر وتستشف آفاق المستقبل". ولتحقيق هذه الرؤيا اعتمدت السلطنة استراتيجية طويلة الأجل (25 سنة) 1995-1970. والتي حددت الأهداف الاستراتيجية بشكل دقيق وواضح تضمنت تنويع مصادر الدخل من خلال تنمية مصادر جديدة بالإضافة إلى الإيرادات النفطية، من خلال تنمية قطاعات الصناعة التحويلية والتعدين والزراعة والأسماك. وتنمية الموارد البشرية ودعمها لتولي الدور الرئيسي في إدارة وتوجيه الاقتصاد العُماني مع التأكيد على التوزيع الجغرافي العادل للاستثمارات بحيث تصل عوائد التنمية إلى جميع أفراد المجتمع بشكل عادل وتقلل التفاوت في مستوى المعيشة بين مختلف المناطق في السلطنة.

كما تضمنت الأهداف الاستراتيجية للخطة تنمية المراكز السكانية والمحافظات لتجنب خطر الهجرة الداخلية وتنمية موارد المياه في كل المحافظات والمحافظة على البيئة.

وقد أكدت الاستراتيجية على أن الاقتصاد العُماني اقتصاد حر يعتمد على نشاط القطاع الخاص ويقوم على أساس المنافسة الحرة وتقدم فيه الدولة الدعم للمشروعات الحيوية وتدعم النشاط التجاري وزيادة النشاط التنافسي والمحافظة على استقرار الأسعار.

وقد اعتمد تحقيق هذه الرؤيا على خطط خمسية متتالية كانت الأولى 1980-1976 استهدفت البنية التحتية وزيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني ودعم القطاع الخاص. واستهدفت الخطة الثانية 1985-1981 تعزيز الطاقة الإنتاجية واستكمال البنية التحتية ودعم القطاع الخاص. كما استهدفت الخطة الثالثة 1990-1986 الخدمات الأساسية من التعليم والصحة والخدمات الإنتاجية الأخرى، بالإضافة إلى تنمية النشاط الاقتصادي والمحافظة على التوازن المالي من خلال ترشيد الإنفاق. واستهدفت الخطة الرابعة 1995-1991 المشروعات الإنتاجية ودعمها وتنويع القاعدة الإنتاجية وتشجيع القطاع الخاص في هذا المجال (وزارة الاقتصاد الوطني – سلطنة عُمان، 2012).

واعتمدت فلسفة التخطيط في السلطنة على التخطيط التأشيري بشكل عام حيث يتم توجيه الاقتصاد من خلال سياسات اقتصادية مختلفة، ومع أن الاستثمارات الحكومية شكلت الجزء الأكبر من الخطط المتلاحقة إلا أنها حافظت على حرية السوق والمنافسة.

ومع انتهاء الخطة الخمسية الرابعة أعدت السلطنة الخطة الاستراتيجية الثانية طويلة الأجل 202-1996 بعد دراسة شاملة للاقتصاد العُماني بينت أن الاقتصاد العُماني يواجه مجموعة من التحديات منها تزايد العجز في الموازنة العامة وانخفاض الاحتياطيات المالية وتزايد الدين العام واعتماد الاقتصاد العُماني على النفط كمصدر واحد واتساع دور الحكومة في الاقتصاد وتدني إنتاجية وكفاءة الأجهزة الحكومية، وضعف التشابك بين قطاع النفط والقطاعات الأخرى وبعض التحديات الأخرى.

لذلك فقد جاءت الأهداف الاستراتيجية للخطة طويلة الأجل 2020-1996 لتركز على تنمية الموارد البشرية وتطوير القدرات والمهارات ورفع كفاءة الموارد البشرية العُمانية وكذلك تهيئة المناخ الاقتصادي الكلي لتنمية القطاع الخاص ودعم الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والطبيعية. ودعم المنافسة والقدرة التنافسية لمؤسسات القطاع الخاص وتنويع القاعدة الإنتاجية والعمل على الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية وتعزيز مستوى المعيشة للمواطن العُماني وتخفيض التباين بين المناطق وتوزيع ثمار التنمية لتصل إلى كافة المواطنين وجميع المحافظات والمناطق الجغرافية (وزارة الاقتصاد الوطني – سلطنة عُمان، 2012).

وكما الخطة الاستراتيجية الأولى اعتمدت الخطط الخمسية المتتالية لتنفيذ الخطة الاستراتيجية الثانية طويلة الأجل فكانت الخطة الخمسية 2000-1996 والتي استهدفت بشكل عام زيادة الإنتاج النفطي وتحقيق معدل نمو مستهدف وتنويع مصادر الدخل وتطوير قطاع الغاز الطبيعي. كما شجعت الخطة الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية وذلك لدعم فرص نجاح استراتيجية التنمية طويلة الأجل والمرتكز على نشاط القطاع الخاص الذي يقود العملية التنموية. كما استهدفت خطة التنمية 2005-2001 تحقيق نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي مقداره %3 سنوياً وترشيد الإنفاق العام وزيادة الإيرادات الحكومية وتنمية الموارد البشرية وتنويع القاعدة الإنتاجية وزيادة الصادرات غير النفطية وتشجيع القطاع الخاص من خلال مشاركته في تنفيذ المشاريع المتصلة بالغاز الطبيعي ورفع الإنتاجية. ثم جاءت الخطة 2010-2006 واستمرت عملية التخطيط على نفس النمط وبنفس الالتزام. (وزارة الاقتصاد الوطني – سلطنة عُمان، 2012).
أي أن سلطنة عُمان ومنذ تولي جلالة السلطان قابوس للحكم اعتمدت التخطيط الاستراتيجي وقد استمرت ملتزمة بعملية التخطيط بشكل متصل عاكسة بذلك التزام السلطة التنفيذية والحكومة بعملية التخطيط بهدف تحسين المستوى المعيشي للمواطن العُماني واستدامة التنمية والنمو لذلك فقد كان النمو المستدام والتنويع الاقتصادي وتنويع القاعدة الإنتاجية وتنمية الموارد البشرية ودعم القطاع الخاص أهم الأهداف الاستراتيجية العُمانية وكذلك من أهم الأهداف لجميع خطط التنمية متوسطة الأجل. (الطلافحة، حسين، 2012).

     واقع النمو الاقتصادي والتنمية في سلطنة عُمان
لقد حققت العملية التخطيطية في السلطنة نجاحاً كبيراً انعكس على معدلات النمو التي حققها الاقتصاد العُماني والذي انعكس على مستوى معيشة المواطن وظهرت في مستوى التنمية المرتفع التي حققته السلطنة مُقاساً بمؤشر التنمية البشرية. ولتوضيح هذا النجاح يمكن النظر وباختصار على ثلاثة جوانب كما يلي:

1-  النمو المستدام:
على الرغم من أن معدل النمو ليس مهماً بذاته إلا إذا انعكس على مستوى معيشة المواطن وكذلك على توزيع الدخل والاستهلاك إلا أن تحقيق نمو مستدام هو شرط ضروري لتحقيق عملية التنمية وكذلك رفع مستوى المعيشة. وقد اتفق على تعريف النمو المستدام على أنه تحقيق معدل نمو سنوي حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي مرتفع لمدة ربع قرن أو أكثر. وقد اتفق على أن معدل نمو %7 أو أكثر تعتبر مرتفعة جداً وأن مثل هذا النمو يعني تضاعف حجم الاقتصاد مقاساً بالناتج المحلي الإجمالي مرة كل عشر سنوات. وقد كانت عُمان من تلك الدول القليلة في العالم التي حققت هذا المستوى حيث تأهلت لهذا المستوى منذ 1950 وحتى 2005 13 دولة فقط من بينها بتسوانيا (1997-1960) والبرازيل (1980-1950) وكوريا الجنوبية (2001-1960) والصين (1997-1960) وسلطنة عُمان (1999-1960) وسنغافورة (2002-1967) وغيرها من الدول (علي عبدالقادر علي، 2012). إلا أن معدلات النمو في عُمان تراجعت في الفترة الأخيرة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تحقيق مثل هذا المعدل المرتفع أو المحافظة عليه لا يتأتى إلا إذا توفرت للاقتصاد القدرة على استغلال الفرص التي يتيحها الاقتصاد الدولية والحفاظ على استقرار البيئة الاقتصادية والسياسية جاذبة، وتحقيق معدلات مرتفعة من الادخار وبالتالي الاستثمار وعدم التدخل في عمل آلية السوق في تخصيص الموارد الاقتصادية ووجود حكومة ملتزمة بالأهداف الاقتصادية وقادرة على تنفيذ الخطط وذات مصداقية عالية.

2-  معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي على مستوى الفرد:
كانت سلطنة عُمان قبل عام 1973 من بين الدول التي حققت معدلات نمو سالبة حيث كان متوسط معدل النمو السنوي للفترة 1973-1960 سالب %8.7. ومع نهاية الخطة الخمسية الأولى كان متوسط معدل النمو السنوي الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي على مستوى الفرد %3.1 سنوياً للفترة 1980-1973. وقد ارتفع هذا المعدل خلال الفترة 1990-1980 ليصل إلى %3.5 سنوياً. أما خلال الفترة 2000-1990 فقد بلغ معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي %2.7. وانخفض هذا المعدل ليصل إلى %2.2 للفترة (2010-2000) أي سلطنة عُمان واعتماداً على خطة استراتيجية طويلة الأجل وخطط مرحلية متوسطة الأجل تمكنت من تحقيق معدلات نمو مرتفعة تؤدي إلى زيادة متوسط حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى الضعف خلال فترة تقل عن 20 سنة أي بمدة تقل عن مدة الخطة الاستراتيجية. (الطلافحة، حسين 2012).

3-  التحول الهيكلي:
عند مقارنة التوزيع القطاعي للناتج المحلي الإجمالي عامي 1985 و 2009 يلاحظ أن مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قد انخفضت من %2.8 في عام 1985 إلى %1.0 في عام 2009 وكما زادت مساهمة الصناعة الاستخراجية بما فيها النفط من %59.3 في عام 1985 إلى %67.1 عام 2009 أما مساهمة الخدمات فقد انخفضت من %38.0 إلى %31.9 لنفس الفترة. وارتفعت مساهمة الصناعة التحويلية من %2.4 عام 1985 إلى %10.6 عام 2009. (علي، عبدالقادر علي، 2012).

وعلى الرغم من أن قطاع الصناعة الاستخراجية ما زال يشكل النسبة الكبرى من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلا أن السلطنة نجحت في زيادة حصة الصناعة التحويلية بشكل كبير وهذا ما يؤكد نجاح التخطيط في اتجاه تنويع القاعدة الإنتاجية كما أن زيادة حصة الصناعة الاستخراجية من الناتج المحلي الإجمالي يؤيد نجاح التخطيط في هدف زيادة إنتاج النفط والغاز وكذلك استغلال الموارد الطبيعية الأخرى المتوفرة في السلطنة.
4-  المفهوم الموسع للتنمية:
على الرغم من أن قيمة مؤشر التنمية البشرية لسلطنة عُمان غير متوفرة للفترة ما قبل عام 2005. إلا أن عُمان حققت تقدماً كبيراً في هذا المجال. فقد ارتفع مؤشر التنمية البشرية (والذي يتكون من ثلاث مؤشرات أساسية الأول يقيس مستوى المعيشة والثاني يقيس المستوى الصحي والثالث يقيس المستوى التعليمي). حيث ارتفع هذا المؤشر من 0.696 عام 2005 والذي يعبر عن مستوى متوسط في التنمية حيث يتم تفسير قيمة المؤشر الذي يتراوح بين 0.50 وحتى 0.70 بمستوى متوسط للتنمية البشرية. وقد ارتفع هذا المؤشر في عام 2011 ليصبح 0.705 وهذا يصنف على أنه مرتفع، وقد حققت الترتيب الثامن بين الدول العربية و 89 عالمياً. (الطلافحة، حسين 2012) .